سوريا الرقمية: فرصة ضائعة أم سوق ناشئ؟ التحديات والفرص في أدوات التحليل والإعلانات بعد رفع العقوبات

رفع العقوبات: بداية مرحلة جديدة؟

في 30 يونيو 2025، أعلنت الولايات المتحدة رسمياً رفع معظم العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في خطوة اعتُبرت نقطة تحوّل تاريخية بعد أكثر من عقد من العزلة الاقتصادية والرقمية. ومع دخول هذا القرار حيّز التنفيذ، بدأت تتشكل ملامح مرحلة جديدة تحمل في طياتها فرصاً حقيقية لإعادة دمج سوريا ضمن المنظومة الرقمية العالمية، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والتسويق الإلكتروني وتحليل البيانات

ورغم هذا التحوّل القانوني، لا تزال العديد من المنصات الرقمية الكبرى – مثل أدوات التحليل SEO والإعلانات المدفوعة – تتعامل مع سوريا كمنطقة “خارج التغطية”، إما بسبب تأخر في تحديث السياسات، أو بسبب غياب الضغط المهني والمجتمعي الكافي لإعادة النظر في هذه الحالة.

في هذا المقال، نسلّط الضوء على هذه الإشكالية من خلال تجربة حقيقية في التواصل مع أدوات تحليل البيانات مثل Ahrefs وSemrush، ونستعرض التحديات التقنية والقانونية المرتبطة بالإعلانات عبر منصات مثل Google وMeta، ونحاول فهم ما الذي يمنع سوريا من أن تكون سوقاً نشطة وقابلة للقياس – رغم كل المقومات المتاحة.

غياب سوريا عن أدوات التحليل العالمية: فجوة غير مبرّرة

سوريا الرقمية،

رغم اتساع رقعة الأدوات التحليلية الرقمية وقدرتها على تغطية مئات الأسواق حول العالم، لا تزال سوريا غائبة بشكل شبه كامل عن معظم أنظمة تتبع البيانات مثل Ahrefs وSemrush. عند استخدام أدوات مثل Keywords Explorer لتحليل حجم البحث، يصطدم المستخدم بعدم وجود سوريا ضمن قائمة الدول المدعومة، مما يجعل من المستحيل قياس حجم البحث المحلي للكلمات المفتاحية، أو رصد التريندات داخل السوق السوري.

هذا الغياب لا يعود بالضرورة إلى أسباب تقنية، بل في كثير من الحالات إلى قيود تنظيمية قديمة لم يتم تحديثها بعد، أو إلى غياب الضغط المهني الكافي لدفع هذه الشركات نحو إدراج سوريا ضمن تغطتها الجغرافية. حتى مع توفر البنية التحتية الرقمية المحلية (مواقع، محتوى، نشاط متزايد)، تبقى هذه الأسواق غير مرئية على خرائط أدوات التحليل.

وقد أظهرت محادثات مباشرة مع فرق الدعم في Ahrefs وSemrush أن السبب الرئيسي في هذا التغييب يرتبط إما بعوامل قانونية قديمة لم يُعاد تقييمها، أو بعدم وجود حجم كافٍ من البيانات المؤهلة لتتبعها. ومع ذلك، أوضحت هذه الفرق أيضاً أن التوسع الجغرافي وارد عند وجود طلب واضح ومجتمعي جاد، ما يفتح الباب أمام مبادرات مهنية تهدف إلى إعادة إدراج سوريا على خارطة البيانات الرقمية العالمية.

لماذا من المهم تضمين سوريا في أدوات التحليل الرقمي؟

مع تزايد الاعتماد على البيانات الدقيقة في اتخاذ القرارات التسويقية، أصبحت أدوات مثل Ahrefs وSemrush من الضرورات الأساسية لكل من يعمل في مجال التسويق الرقمي، سواء في تحسين محركات البحث أو في دراسة سلوك المستخدمين. ومن هذا المنطلق، فإن تجاهل السوق السوري يشكل فجوة واضحة في فهم المشهد الرقمي الإقليمي، وحرماناً للجهات العاملة داخله من أدوات الرصد والتحليل التي تُتاح بشكل طبيعي لمعظم الدول المجاورة.

في الواقع، يشهد السوق الرقمي في سوريا نشاطاً متزايداً في عدة قطاعات حيوية مثل:

  • التعليم الإلكتروني والمنح الدراسية
  • العقارات والبحث عن سكن داخل المدن الكبرى
  • السياحة الداخلية والدينية
  • الأسواق الإلكترونية الناشئة والتجارة المحلية
  • وسائل الإعلام والمنصات الإخبارية المستقلة

العديد من المواقع السورية تتمتع بمستوى عالٍ من الموثوقية والحركة المرورية مثل:

sana.sy، opensooq.sy، damascusuniversity.edu.sy، npasyria.com، shamcash.org، dse.sy وغيرها.

تحليل هذه المواقع من حيث الكلمات المفتاحية والروابط الخلفية ومعدل الزيارات يمكن أن يفتح الباب لفهم أعمق للسلوك الرقمي المحلي، وبناء استراتيجيات تسويق أكثر واقعية وفعالية. كما أن تضمين سوريا ضمن هذه الأدوات لا يخدم فقط المسوّقين السوريين، بل أيضاً الشركات الإقليمية والدولية التي بدأت تهتم بهذا السوق وتحتاج إلى بيانات دقيقة لفهمه والتفاعل معه.


جهود فردية ومجتمعية لتفعيل الحضور الرقمي السوري

معارض سوريا،

وسط هذا الغياب غير المبرر لسوريا عن خارطة أدوات التحليل العالمية، بدأت تظهر مبادرات فردية ومجتمعية تطوعية تهدف إلى تغيير هذا الواقع. ومن أبرز هذه المبادرات، كانت محاولات التواصل المباشر مع فرق الدعم في منصات مثل Ahrefs وSemrush، لطلب توضيحات حول سبب استبعاد سوريا، ومحاولة الدفع نحو إضافتها ضمن التغطية الجغرافية في أدواتهم التحليلية.

في إحدى هذه المحادثات، تم توجيه استفسارات دقيقة إلى Ahrefs حول إمكانية تتبع الكلمات المفتاحية داخل سوريا، وبيّنت الردود أن أدوات مثل Keywords Explorer لا تُظهر حجم البحث من سوريا بسبب غياب البلد من قاعدة بياناتهم الجغرافية، رغم إمكانية تحليل المواقع السورية نفسها عبر أدوات مثل Site Explorer.

وبعد عدة رسائل توضيحية من قِبل متخصصين في المجال، تم التأكيد على أن توسيع التغطية الجغرافية مرهون بحجم الطلب المجتمعي، وبعدد الأصوات الداعية لإضافة السوق السوري إلى النظام. بناءً على ذلك، تم إعداد مقترح رسمي (feature request) ضمن منصة الاقتراحات الخاصة بـ Ahrefs، تضمن قائمة مواقع سورية هامة، وشرحاً عن أهمية تتبع الكلمات المفتاحية والبحث المحلي باللغة العربية.

هذا النوع من الجهود يمكن أن يُشكّل نواة لحراك مهني أوسع، يجمع المسوقين السوريين داخل البلاد وخارجها، ويشجع على تقديم محتوى منظم وموثوق يساعد هذه الشركات العالمية على بناء قواعد بيانات أولية تعكس طبيعة البحث المحلي، واهتمامات المستخدمين، والمصادر الرقمية الأكثر تداولاً.

 الإعلان عبر Google وMeta في سوريا: حظر لا يزال قائماً رغم الانفراج

سوريا، ميتا، غوغل، اعلانات، ماغنيت،

رغم رفع معظم العقوبات الاقتصادية الأميركية عن سوريا في منتصف عام 2025، لا تزال منصات الإعلان الرقمية الكبرى مثل Google Ads وMeta Ads (فيسبوك وإنستغرام) تُبقي الحظر مفروضًا على الحسابات الإعلانية المرتبطة بسوريا.

ويظهر ذلك بوضوح عند محاولة إنشاء أو تفعيل حساب إعلان داخل سوريا، أو استخدام بطاقة دفع سورية أو عنوان IP سوري – حيث يتم حظر الحساب تلقائيًا أو رفض عملية الدفع.

السبب في ذلك لا يرتبط فقط بالتقنيات أو بعمليات التحقق، بل يعود في جوهره إلى سياسات الشركات نفسها التي لم تحدّث بعد قوائم البلدان المسموح بها، رغم التغيرات القانونية الأخيرة. فالشركات مثل Google وMeta تعتمد على لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC) كأساس قانوني، ولا تبادر بإزالة الحظر إلا بعد مراجعة داخلية عميقة وسياسات واضحة بخصوص كل سوق.

ومع أن الأخبار تشير إلى قرب الانفتاح التدريجي للإعلانات الرقمية في سوريا، إلا أن ذلك لن يتحقق دون توفر ثلاثة عناصر رئيسية:

  1. تحديث السياسة الرسمية لكل منصة، لإزالة سوريا من قوائم الحظر الجغرافي.
  2. عودة فعالة لنظام التحويل البنكي الدولي (SWIFT)، مما يتيح للشركات السورية استقبال وتحويل الأموال بشكل قانوني.
  3. إعادة تفعيل بوابات الدفع الإلكتروني، سواء عبر بنوك محلية أو مزودي خدمات عالميين.

حتى ذلك الحين، تبقى الإعلانات عبر هذه المنصات ممكنة فقط من خلال حلول غير مباشرة، كإدارة الحملات من دول مجاورة، أو عبر حسابات إعلان تابعة لشركات تسويق خارج سوريا، وهو حل مؤقت لا يمكن الاعتماد عليه لبناء منظومة إعلانية مستقرة داخل السوق السوري.

ما العمل؟ وكيف نعيد سوريا إلى خريطة البيانات؟

ما يحدث اليوم في السوق السوري الرقمي ليس غياباً، بل إقصاء غير مبرر في لحظة نحن أحوج ما نكون فيها إلى التمكين. فهناك حركة محتوى حقيقية، ومستخدمون نشطون، وشركات تحاول أن تنمو وتخاطب جمهورها باحتراف، لكنها تصطدم بجدران الأدوات المحجوبة والسياسات التي لم يتم تحديثها بعد.

وبينما تنتظر سوريا تحديثات من Google وMeta لإعادة فتح الإعلانات، وتترقب خطوة من Ahrefs وSemrush لإدراجها ضمن خرائط البحث، فإن المسؤولية الكبرى تقع علينا كمجتمع مهني رقمي.

نحن بحاجة إلى:

  • صوت جماعي واضح يطالب بحق سوريا في الظهور ضمن أدوات التحليل والقياس.
  • مبادرات واقعية مثل اقتراح كلمات مفتاحية محلية، ومشاركة التغذية الراجعة عبر المنصات الرسمية.
  • جهوزية مهنية للاستفادة من أي نافذة تُفتح، سواء في البنية التحتية البنكية أو الخدمات الإعلانية.

سوريا ليست سوقاً صغيرة، بل سوق تم إهماله لسنوات. وكل من يعمل في التسويق الرقمي أو تحليل البيانات يعرف أن الظهور في الأدوات يساوي الوجود في السوق.

إذا لم نكن نحن من يطالب ويقترح ويدفع هذا التغيير، فلن يفعله أحد نيابةً عنا.

أديب حبّال

جدول المصادر

الموضوعالمصدرالتفاصيل
رفع العقوبات الأمريكية عن سوريارويترزقرار الرئيس ترامب في 30 يونيو 2025 برفع معظم العقوبات على سوريا؛ بيان وزارة الخزانة (OFAC) يفعّل الأمر.
وضع Google Ads في دول تحت العقوبات()سياسات Google Ads تنص على حظر الحسابات في سوريا تحت قوانين OFAC.
فرص إعادة انفتاح التسويق الرقمي في سوريا()تقرير “Campaign Middle East” يسلّط الضوء على إعادة إمكانية الإعلانات وتحليلات السوق بعد رفع العقوبات.
قيود Semrush وAhrefs على سوريا(غير متوفر رابط مباشر، مأخوذ من محادثة مباشرة مع الدعم)استنادًا لرسائل الدعم التي تظهر غياب سوريا ضمن التغطية الرسمية، وفتح الباب لإنشاء feature request.
العلاقة بين البنوك السورية وSWIFT()شرح في وثائق OFAC (6/2025) عن إزالة القيود المالية وتمكين الاتصال المصرفي الدولي (SWIFT).

إذا أعجبتك المقالة شاركها مع من تحب
Adib Habbal
Adib Habbal
Articles: 15

الاشتراك بالنشرة البريدية

ادخل بريدك الالكتروني للاطلاع على أخر المعلومات والمقالات المتعلقة بالتسويق الرقمي